"طالبان" و"داعش".. تقاسم السّلطة وتقارب الأفكار

‌منير أديب

بعدما نجحت حركة "طالبان" في السيطرة على السلطة أو في القفز عليها في أفغانستان، هل حقاً ستنجح في تحقيق الأمن الذي وعدت به الأفغان؟ كل المؤشرات تذهب إلى أن ولايات أفغانستان ومدنها بلا أمن حقيقي؛ فالحركة لم تستطع أن تحقق ما وعدت به بعد صراع طال أربعة عقود، ليس هذا فحسب، فرغم عدم قدرة الحركة على تحقيق الأمن، باتت أفغانستان أحد أهم الملاذات الآمنة لجماعات العنف والتطرف.

وقعت أفغانستان بين مصيدة جماعات العنف والتطرف التي باتت أكثر حرية وحركة بعد سيطرة "الحركة" على الحكم، وبين عدم قدرتها على فرض الأمن الداخلي، وهو ما جعلها عبئاً على أفغانستان، فضلاً عن ممارسات "الحركة المتطرفة" وربما الصراع المسلح أو العنيف الذي يدور بين قادتها في الغرف المغلقة، كل هذا يُنبئ بقرب بسقوط الحركة أو سقوط أفغانستان في أتون حرب أهلية، وهو ما تخشاه دول الجوار أو المجتمع الدولي.

نجحت "ولاية خراسان" في تنفيذ عمليات عدة، راح ضحيتها مدنيون وأفراد تابعون لحركة "طالبان"، من دون أن تنجح الأخيرة في الوصول الى الجناة أو في إيقاف نزيف هذه العمليات، فبات شرق البلاد الذي يمثل معقلاً لتنظيم "داعش" أحد أهم الاستهدافات المباشرة للتنظيم.

تحولت أفغانستان كرة لهب تحرق أهلها ويحرق أهلها غيرهم، سواء تم ذلك من خلال حركة "طالبان" أم التنظيمات الرديفة لها، مثل تنظيم "قاعدة الجهاد" و"شبكة حقاني" أم من خلال أعدائها مثل "ولاية خراسان"، الشاهد في هذا الطرح أننا لا يمكن أن نغفر لـ"طالبان" لأنها على عداء مع "داعش"، فهي سبب وجود هذا التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة.

وعدت "طالبان" بتحقيق الأمن في أفغانستان، اعتقدت أنها سوف تحكم فحكمت عليها "داعش - ولاية خراسان"؛ صحيح أن هناك علاقة عداء بين الحركة والتنظيم، ولكن ما كان للتنظيم أن يظهر بهذه الصورة لولا سيطرة "طالبان" على الحكم.

"طالبان" مسؤولة عن سلوك "داعش" وتتحمل مسؤولية ما يحدث داخل أفغانستان، لا يمكن تحييد هذه الحركة، ولا يمكن الإيمان بأن سلوكها قد تغير فعلياً، فهو لم يحدث ولن يحدث، الأفكار المؤدلجة التي تؤمن بها لم تتخل عنها ولن تتخلى مهما حدث، فهي جزء أصيل من تكوينها، وهنا يبدو الرهان على تغيرها أو تحقيق ذلك رهان خاسر بلا قيمة ولا معنى.

اعتراف بعض العواصم العربية وغير العربية بالحركة، أو على الأقل عدم الدخول في خصومة معها، أمر قد يفيد هذه الدول سياسياً، ولكنه يضر باستراتيجيات مواجهة الإرهاب على المدى البعيد، بخاصة أن هذه الدول ترى أنها مضطره لإقامة علاقات مع "طالبان" أو القبول بها رغم تطرفها، وهذا يعود الى أسباب سياسية ومصالح في الأساس، المنطق الحاكم هنا منطق براغماتي صرف لا علاقة له بتغير الحركة.

"طالبان"، منذ أن وصلت إلى السلطة، لم تقدم للشعب الأفغاني غير تصريحات وردية وشعارات "مزيفة" بلا مضمون، ولا تعبر هذه الشعارات ولا التصريحات عن حقيقة الحركة، كان ذلك واضحاً في تشكيل الحكومة الأفغانية الأخيرة.
صرحت "طالبان" بأن الحكومة ستُشكّل من كل العرقيات والأقليات ولن تقتصر على عرق البشتون، وهو ما لم يحدث، كما صرحت بأن تكون حكومة تُعبر عن كل الأفغان، فبات أغلب تشكيلها من حركة "طالبان"، ليس هذا فحسب، الأخطر أنه تم تأليفها من شخصيات وضعت على القوائم السود للإرهاب، فتم إسناد وزارة الداخلية إلى سراج الدين حقاني، نجل جلال الدين حقاني، رغم أن حركته وُضعت على قوائم الإرهاب، كما أُسندت وزارة الدفاع إلى الملا محمد يعقوب، الابن الأكبر للملا محمد عمر، قائد المجاهدين الأفغان، وأحد مساعدي هبة الله أخوند زاده.

وأُسندت رئاسة الحكومة إلى محمد حسن أخوند، وقد كان وزيراً للخارجية عام 2001 عندما طلبت الولايات المتحدة الأميركية من "الحركة" تسليم أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، على خلفية تفجيرات برجي التجارة العالمي، فقال عبارته المشهورة: "أسامة بن لادن ضيف أفغانستان ولن نقوم بتسلميه"، وهنا وفرت الحركة حماية لزعيم تنظيم "القاعدة" وارتضت بالغزو الأميركي وبأن تخسر السلطة مقابل ألا تفك البيعة التي وضعتها "الحركة" و"التنظيم" في عنقيهما.

بعد مرور عقدين من الزمان، يُسند تشكيل الحكومة الأفغانية الى محمد حسن أخوند، رغم تصريحات الحركة بأنها لن توفر بيئة حاضنة لتنظيم "القاعدة"! مع العلم أن عبد الغني برادر مسؤول المكتب السياسي للحركة الذي قاد التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، وربما يكون ممثل فصيل الحمائم داخل الحركة، أُسندت نيابة رئاسة الوزراء إليه، حتى أن معظم التقارير أشارت إلى خلافات دبت بين برادر وحقاني في الحكومة، أدت الى تدخل حرس كل منهما وتبادل إطلاق النار داخل القصر الرئاسي.

"طالبان" وعدت بوجود المرأة ضمن تشكيل الحكومة، فاختفت المرأة تماماً، ليس في التشكيل الوزراي، بل غابت عن فصول التعليم، غابت متعلمة ومعلمة، وقامت الحركة بتفريق أي تجمع للمرأة ولو كان صغيراً يعبر عن نفسه ومطالبه، لا مكان للمرأة في ظل وجود "طالبان"، بل لا مكان للإنسان في ظل وجود هذه الحركة.

بالعودة إلى تنظيم "داعش"، نستطيع أن نقول إن "طالبان" تقاسمت السلطة معه، عندما منحته القوة أو فشلت في صد إرهابه، وكلاهما لا يختلفان كثيراً عن بعضهما بعضاً، صحيح أن لكل منهما ما يرفض به الآخر؛ "طالبان" ترى أنها الأحق بإدارة الدولة من دون منازع، و"داعش" يرى أنه أحق بقيادة أفغانستان ويخلق لنفسه مكاناً في الإمارة التي أطلقت عليها الحركة الإمارة الإسلامية.

أفغانستان أصبحت مقسمة ما بين حركة "طالبان" التي تتولى شؤون الدولة والحكومة، ولديها حسابات مع بعض الدول، وما بين تنظيم "القاعدة" الذي قد يتصدر المشهد الجهادي الفترة المقبلة، ويأتمر بأمر الحركة التي آوته لسنوات طويلة وتحملت من التضحيات في سبيل ذلك، وما بين "شبكة حقاني" التي تمثل الذراع العسكرية للحركة لمواجهة أي خصوم لها، وما بين تنظيم "داعش - ولاية خراسان"، الذي يرى أن كل هؤلاء أعداء له، فهو يناصبهم العداء كما أنهم يناصبونه العداء أيضاً.

العداء ما بين الحركة والتنظيم لا يمنع تقاسم السلطة بينهما في إدارة الدولة، بخاصة أن الحركة غير قادرة على مواجهة "داعش" أو تبدو ضعيفة أمام هذه المواجهة، وبالتالي سوف يستمر "داعش" في تنفيذ هجماته النوعية، سواء على المدنيين أم على حركة "طالبان" نفسها؛ فرغم سقوط دولة "داعش" في الرقة والموصل في 29 حزيران (يونيو) من عام 2014، إلا أنه يطل علينا من جديد ولكن من أفغانستان.

لن أستطرد كثيراً في التقارب الفكري بين الحركة والتنظيم، ولكن ما أود قوله إن الخلاف بين التنظيمات المتطرفة في آلية التنفيذ، فحجم الخلافات الفقهية ضعيف، وما يجمع هذه الحركات أكبر بكثير مما تختلف عليه، غير أن آلية التنفيذ هي التي تبدو مختلفة في بعض المسميات، إمارة إسلامية أو دولة إسلامية، قتال الكفار والمرتدين أو إرجاء ذلك حتى تحقيق التمكين؛ صحيح هناك خلافات فقهية بينهما، ولكنها تدفع كل طرف ليقاتل الطرف الثاني، وهذا من واقع أن هذه الحركات متطرفة، وهذا يتسق مع منهجها وليس مع عمق الخلاف بينها.


PM:06:53:26/09/2021

ئه‌م بابه‌ته 1884 جار خوێنراوه‌ته‌وه‌‌